سورة النجم - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)}
(النجم): الثريا، وهو اسم غالب لها. قال:
إذَا طَلَعَ النَّجْمُ عِشَاءَ *** إبْتَغَى الرَّاعِي كِسَاءَ
أو جنس النجوم. قال:
فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحِيرَةٍ ***
يريد النجوم {إِذَا هوى} إذا غرب أو انتثر يوم القيامة. أو النجم الذي يرجم به إذا هوى: إذا انفض. أو النجم من نجوم القرآن، وقد نزل منجماً في عشرين سنة، إذا هوى: إذا نزل. أو النبات إذا هوى: إذا سقط على الأرض.
وعن عروة بن الزبير: أنّ عتبة بن أبي لهب وكانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الخروج إلى الشام، فقال: لآتينّ محمداً فلأوذينه؛ فأتاه فقال: يا محمد، وهو كافر بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وردّ عليه ابنته وطلقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك، وكان أبو طالب حاضراً، فوجم لها وقال: ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة! فرجع عتبة إلى أبيه، فأخبره، ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلاً، فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم: إن هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب لأصحابه: أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة، فإني أخاف على ابني دعوة محمد، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم؛ وأحدقوا بعتبة، فجاء الأسد يتشمم وجوههم، حتى ضرب عتبة فقتله. وقال حسان:
مَنْ يَرْجِعُ الْعَامَ إِلى أَهْلِهِ *** فَمَا أَكِيلُ السَّبْعِ بِالرَّاجِعِ
{مَا ضَلَّ صاحبكم} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم: والخطاب لقريش، وهو جواب القسم، والضلال: نقيض الهدى، والغيّ نقيض الرشد، أي: هو مهتد راشد وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغي، وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه، وإنما هو وحي من عند الله يوحى إليه. ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء، ويجاب بأنّ الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد، كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحياً لا نطقاً عن الهوى {شَدِيدُ القوى} ملك شديد قواه، والإضافة غير حقيقية، لأنها إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، وهو جبريل عليه السلام، ومن قوّته أنه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود، وحملها على جناحه، ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده في أوحى من رجعة الطرف، ورأى إبليس يكلم عيسى عليه السلام على بعض عقاب الأرض المقدّسة، فنفحه بجناحه نفحة فألقاه في أقصى جبل بالهند {ذُو مِرَّةٍ} ذو حصافة في عقله ورأيه ومتانة في دينه {فاستوى} فاستقام على صورة نفسه الحقيقة دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي؛ وكان ينزل في صورة دحية، وذلك: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها، فاستوى له في الأفق الأعلى وهو أفق الشمس فملأ الأفق.
وقيل: ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة في الأرض، ومرة في السماء {ثُمَّ دَنَا} من رسول الله صلى الله عليه وسلم {فتدلى} فتعلق عليه في الهواء. ومنه: تدلت الثمرة، ودلى رجليه من السرير. والدوالي: الثمر المعلق. قال:
تَدَلَّى عَلَيْهَا بَيْنَ سِبٍّ وَخِيطَةٍ ***
ويقال: هو مثل القرليّ: إن رأى خيراً تدلى، وإن لم يره تولى {قَابَ قَوْسَيْنِ} مقدار قوسين عربيتين: والقاب والقيب؛ والقاد والقيد، والقيس: المقدار.
وقرأ زيد بن علي: قاد. وقرئ: {قيد} وقدر. وقد جاء التقدير بالقوس والرمح، والسوط، والذراع، والباع، والخطوة، والشبر، والفتر، والأصبع. ومنه: «لا صلاة إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمحين» وفي الحديث: «لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قدّه خير من الدنيا وما فيها» والقدّ: السوط. ويقال: بينهما خطوات يسيرة. وقال:
وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ حَزِيمَةَ أَصْبُعَا ***
فإن قلت: كيف تقدير قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ}؟ قلت: تقديره فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذفت هذه المضافات كما قال أبو علي في قوله:
وقد جعلتني من حزيمة أصبعا ***
أي: ذا مقدار مسافة أصبع {أَوْ أدنى} أي على تقديركم، كقوله تعالى: {أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147]. {إلى عَبْدِهِ} إلى عبد الله، وإن لم يجر لاسمه عزّ وجل ذكر، لأنه لا يلبس؛ كقوله: {على ظَهْرِهَا} [فاطر: 45]. {مَا أوحى} تفخيم للوحي الذي أوحي إليه: قيل أوحي إليه «إنّ الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك» {مَا كَذَبَ} فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام، أي: ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذباً، لأنه عرفه، يعني: أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه، ولم يشك في أنّ ما رآه حق وقرئ: {ما كذب} أي صدّقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته {أفتمارونه} من المراء وهو الملاحاة والمجادلة واشتقاقه من مرى الناقة، كأن كل واحد من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه. وقرئ: {أفتمرونه} أفتغلبونه في المراء، من ماريته فمريته، ولما فيه من معنى الغلبة عدّى بعلى، كما تقول: غلبته على كذا: وقيل: أفتمرونه: أفتجحدونه. وأنشدوا:
لَئِنْ هَجَوْتَ أَخَاً صِدْقٍ وَمَكْرُمَةٍ *** لَقَدْ مَرَيْتَ أخاً مَا كَانَ يَمْرِيكاً
وقالوا: يقال مريته حقه إذا جحدته، وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين {نَزْلَةً أخرى} مرة أخرى من النزول، نصبت النزلة نصب الظرف الذي هو مرة، لأنّ الفعلة اسم للمرّة من الفعل، فكانت في حكمها، أي: نزل عليه جبريل عليه السلام نزلة أخرى في صورة نفسه، فرآه عليها، وذلك ليلة المعراج عند سدرة المنتهى.
قيل: في سدرة المنتهى: هي شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش: ثمرها كقلال هجر، وورقها كآذان الفيول، تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها الله في كتابه، يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها. والمنتهى: بمعنى موضع الانتهاء، أو الانتهاء، كأنها في منتهى الجنة وآخرها. وقيل: لم يجاوزها أحد، وإليها ينتهي علم الملائكة وغيرهم، ولا يعلم أحد ما وراءها. وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء {جَنَّةُ المأوى} الجنة التي يصير إليها المتقون: عن الحسن. وقيل: تأوى إليها أرواح الشهداء.
وقرأ علي وابن الزبير وجماعة {جنة المأوى} أي سترة بظلاله ودخل فيه.
وعن عائشة: أنها أنكرته وقالت: من قرأ به فأجنه الله {مَا يغشى} تعظيم وتكثير لما يغشاها، فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله وجلاله: أشياء لا يكتنهها النعت ولا يحيط بها الوصف. وقد قيل: يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت على كل ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبح الله».
وعنه عليه الصلاة والسلام: «يغشاها رفرف من طير خضر».
وعن ابن مسعود وغيره: يغشاها فراش من ذهب {ما زاغ} بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما طغى} أي أثبت ما رآه اثباتا مستقيماً صحيحاً، من غير أن يزيغ بصره عنه أو يتجاوزه، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها، وما طغى: وما جاوز ما أمر برؤيته {لَقَدْ رأى} والله لقد رأى {مِنْ ءايات رَبِّهِ} الآيات التي هي كبراها وعظماها، يعني: حين رقى به إلى السماء فأري عجائب الملكوت.


{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)}
{اللات والعزى ومناة} أصنام كانت لهم، وهي مؤنثات؛ فاللات كانت لثقيف بالطائف. وقيل: كانت بنخلة تعبدها قريش، وهي فعلة من لوى؛ لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة. أو يلتوون عليها: أي يطوفون. وقرئ {اللات} بالتشديد. وزعموا أنه سمي برجل كان يلت عنده السمن بالسويق ويطعمه الحاج.
وعن مجاهد: كان رجل يلت السويق بالطائف، وكانوا يعكفون على قبره، فجعلوه وثناً، والعزى كانت لغطفان وهي سمرة، وأصلها تأنيث الأعز.
وبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها، فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول:
يَا عُزَّ كُفْرَانَكِ لاَ سُبْحَانَك *** إني رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهانَكَ
ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام تلك العزى ولن تعبد أبداً. ومناة: صخرة كانت لهذيل وخزاعة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لثقيف. وقرئ: {ومناءة} وكأنها سميت مناة لأنّ دماء النسائك كانت تمنى عندها، أي: تراق، ومناءة مفعلة من النوء، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركاً بها. و{الأخرى ا} ذمّ، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله تعالى: {وقالت أخراهم لأولاهم} [الأعراف: 38] أي وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم. ويجوز أن تكون الأوّلية والتقدّم عندهم للات والعزى. كانوا يقولون إنّ الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى مع وأدهم البنات، فقيل لهم {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الانثى (21)} ويجوز أن يراد: أنّ اللات والعزى ومناة إناث، وقد جعلتموهنّ لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث وتستنكفوا من أن يولدن لكم وينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أنداداً لله وتسمونهنّ آلهة {قِسْمَةٌ ضيزى} جائرة، من ضازه يضيزه إذا ضامه، والأصل: ضوزى. ففعل بها ما فعل ببيض؛ لتسلم الياء. وقرئ: {ضئزى} من ضأزه بالهمز. وضيزى: بفتح الضاد {هِىَ} ضمير الأصنام، أي ما هي {إِلاَّ أَسْمَاءٌ} ليس تحتها في الحقيقة مسميات، لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شيء منها وأشدّه منافاة لها. ونحوه قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [يوسف: 40] أو ضمير الأسماء وهي قولهم، اللات والعزى ومناة، وهم يقصدون بهذه الأسماء الآلهة، يعني: ما هذه الأسماء إلا أسماء سميتموها بهواكم وشهوتكم، ليس لكم من الله على صحة تسميتها برهان تتعلقون به. ومعنى {سَمَّيْتُمُوهَا} سميتم بها، يقال: سميته زيداً، وسميته بزيد {إن يتبعون} وقرئ بالتاء {إِلاَّ الظن} إلا توهم أنّ ما هم عليه حق، وأنّ آلهتهم شفعاؤهم، وما تشتهيه أنفسهم، ويتركون ما جاءهم من الهدى والدليل على أنّ دينهم باطل.


{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى (25)}
{أَمْ للإنسان مَا تمنى (24)} هي أم المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار، أي: ليس للإنسان ما تمنى، والمراد طمعهم في شفاعة الآلهة، وهو تمنّ على الله في غاية البعد، وقيل: هو قولهم: {وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} [فصلت: 50] وقيل: هو قول الوليد بن المغيرة {لأوتين مالاً وولدا} وقيل هو تمنى بعضهم أن يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم فللَّه الآخرة والأولى أي هو مالكهما، فهو يعطي منهما من يشاء ويمنع من يشاء، وليس لأحد أن يتحكم عليه في شيء منهما.

1 | 2 | 3